في مجتمعنا ألوان من الحاجات، وفي الفطرة مطالب لكثير من الأمور الملحات، ولكن حينما يغفل الأفراد والمجتمعات عن هذه الحاجات فقد يبحث عنها طالبوها في أماكن أخرى.
وصلتني رسالة جوال وهذا نصها: أنا فتاة يا شيخ تعرفت على واحد في القيمز- وهي لعبة في الإنترنت- جنسيته.. وأنا من جنسية أخرى، أنا في جدة وهو في الدمام، بعدين أعطاني رقمه وصرنا نتكلم مع بعض وحكيتله بعض مشاكلي وطلاق أبوي وأمي وشجعني على الهروب معه وأنه يسكني عنده بالدمام ونقعد طول عمرنا مع بعض، أنا حاسه أنه صادق معي لأني تعبت من حياتي بس بصراحة أنا مترددة.
لعلك تقف معي على نقاط مهمة من خلال رسالتها:
ـ خطر بعض المواقع على الإنترنت وأنها ليست مجرد تسلية أحياناً، بل تذهب بصاحبها إلى ما وراء ذلك من التعارف والمكالمات مع الجنس الآخر، وليس المعنى أن نمنع الإنترنت في البيت فهذا قد يكون مستحيل لأنه أحد الضرورات العصرية، وإنما المقصود ضبط الإنترنت في البيت.
ـ مشكلة الفراغ وضرورة إيجاد البديل المباح لأفراد الأسرة الذي يحميهم من مصائب الفراغ، فهذه الفتاة وقعت في مصيدة الفراغ وكانت النتيجة هذه المشكلة.
ـ بعض الفتيات تطرح قضيتها ومشكلتها على أشخاص ليسوا بأهل للإستشارة، المهم أن تجد من يستمع لها وينصت لها.
ـ مشكلة الطلاق وآثارها على إنحراف الأبناء والبنات، فهذه الفتاة بدأت مشكلتها بذكر أكبر قضية لها في حياتها وهي طلاق والديها والفراق الذي حصل بينهما حتى جعل هذه البنت في مهب الريح تبحث عن عاطفة من هنا وهناك، بغض النظر عن جودة مصدر العاطفة وصدقه ومكانته.
ـ قرار الهروب من البيت والبحث عن مأوى جديد قد نستغربه في بداية الأمر، ولكن الفتاة قد تتخذ هذا القرار إذا أصابها الإحباط من حياتها والتفكك الأسري الذي تعيشه مع أنه قرار نهايته مؤسفة جداً.
ـ لاحظ أن الرجل أبدى لها كل تفاصيل الإستقبال لها وأنه سيقف معها وسيرعاها، وانظر في قولها -أحس أنه صادق- يا ترى كيف شعرت بهذا الصدق مع أن القضية مجرد مكالمات؟ لاشك أن هذا الرجل المجرم ناجح في إستدراج الفتيات وتحريك العواطف وإستغلال المشكلة التي وقعت لها.
ـ قولها: بس أنا مترددة، إنه نداء الفطرة الذي يرفض القرارات التي تخالف العفة والحياء التي نشأت عليه المؤمنة.
وبعد التأمل في هذه القصة ومحتواها فإني أهمس ببعض المطالب والتوصيات:
أيها الوالدان اتقوا الله تعالى في أولادكم، ولا يكن قرار الطلاق إلا في أقسى الظروف مع الإتفاق على خطة منظمة في كيفية رعاية الأبناء والبنات بعد الطلاق.
بعض البيوت لا يوجد فيها طلاق، ولكنها تعاني من غياب الإشباع العاطفي لأفراد الأسرة مما يجعل الأبناء والبنات يبحثون عن العاطفة والإهتمام في مكان آخر، وأذكر أن فتاة إتصلت بي وذكرت أن أسرتها منحت العاطفة للأخت التي أصغر منها وأنها تحتاج إلى عاطفة كبيرة حيث فقدت العاطفة من والديها وجميع أفراد الأسرة، وتقول: والله يا شيخ إني فكرت بالإنتحار لأني مللت من تهميشي في البيت مع أني أحاول أن أبرز شخصيتي ووجودي في البيت من ناحية العمل في المنزل وخدمة أهلي ولكن أهلي في غفلة عني.
قلت: لو وجدت هذه الفتاة العاطفة والإهتمام من رجل أجنبي سواءً عبر إتصال مفاجئ أو نظرة في سوق أو مداعبات من بائع محل ذكي في فن الإستدراج، يا ترى هل ستكون ضحية بين يديه أم لا؟.
لابد من مراقبة الإنترنت في المنزل ومتابعة الأبناء والبنات في المواقع التي يدخلونها ولو من باب المداعبة والمشاركة وهناك في شركات الاتصالات إمكانية وضع ضوابط للدخول عبر بطاقات نقية لا يستطيع الباحث من خلالها دخول المواقع المحرمة أو السيئة.
يجب الإنتباه للاتصالات التي تجريها الفتيات بطريقة حكيمة لأجل الحفاظ على عفاف الفتاة، وهذه الرقابة نؤكد على أنه يجب أن تكون بمنهجية معتدلة حتى لا تظن الفتاة أنها مراقبة ثم تحاول إخفاء الخطأ الذي تقع فيه بطريقة أخرى.
نؤكد على ضرورة إيجاد أبواب للإستشارة من مراكز في الأحياء والمدن والمحافظات أو عبر القنوات أو المواقع وفق آلية محددة، ولابد من الإنتباه إلى الجودة في إختيار أهل الإستشارة الذين يتم إختيارهم ويجب أن تتواجد هذه القنوات والمراكز وغيرها بشكل علني وواضح للمجتمع وتنتشر أماكن وأرقام تلك المراكز ويكون لها إظهار في الصحف والإعلام، لأن قضية الإستشارة أصبحت مطلباً مهماً جداً في هذه الأيام المليئة بالمشكلات.
نوصي كل فتاة: إحذري من خداع الشباب ووعودهم الكاذبة، فهم لا يريدون منك إلا الاستمتاع بك ثم يتخلصون منك ليبحثوا عن فتاة مسكينة أخرى، وهكذا يستمر مسلسل القضاء على الفتيات لتعيش في آلام المصيبة التي تنزل بها.
وقد يكون من وراء هذا الاستمتاع الحمل، وكم في هذا الباب من قصص تُدمي كل ذي لب، وقد حدثني أحد أصحابي من الدعاة أن فتاة اتصلت به تطلب منه أن يدعو لها بأن تموت، يقول صاحبي: فإستغربت هذا منها، ولكن بعد السؤال قالت الفتاة: لقد إكتشفت يا شيخ أن أبي ليس أبي وأن أمي ليست أمي، أنا يا شيخ فتاة رُميت بجانب صندوق القمامة وهذه الأسرة هي التي اهتمت بي، وتواصل رسالتها لصاحبي: أنا أتمنى أن أرى أمي لأذبحها.
نعم.. إن هذه الفتاة نتيجة علاقة محرمة، بدأت بالحب والعاطفة وإنتهت بالجريمة ثم الحمل ثم رمي المولود بجانب صندوق القمامة، فأي حب هذا وأي نتيجة هذه؟.
أتريدين يا أختاه أن تُخرجي للمجتمع أمثال هؤلاء اللقطاء الذين لا ذنب لهم أن يعيشوا مشردين بلا أب ولا أم.
ونقول لكل من وقعت في ضحية هذا الحب الكاذب: إنتبهي يا أختنا إستيقظي ولا تنخدعي وعودي إلى الصواب ولازمي باب الحياء والبسي ثياب الفطرة، وإن كنت أذنبت فلا تقنطي من رحمة الله تعالى، وباب الله مفتوح وربك واسع المغفرة.
نسأل الله أن يحمي بناتنا من الانحراف العاطفي، ونسأله عز وجل أن يزرع العاطفة في نفوس الآباء والأمهات الذين قست قلوبهم في هذا الزمن.
المصدر: موقع الشيخ سلطان العمري.